لا يُرى الله في الدنيا ، وقد طمع موسى في رؤية الله ، فأخبره ربّه أنّه لن يراه في الدّنيا ، ولا يستطيع ذلك ، بل الجبل القويّ الصلد لا يطيق ذلك ( ولمَّا جاء موسى لميقاتنا وكلَّمه ربُّه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوق تراني فلمَّا تجلَّى ربُّه للجبل جعله دكّاً وخرَّ موسى صَعِقاً ) [ الأعراف : 143 ] .
وقد اختلف العلماء في رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم ربّه حين عُرج به إلى السماء ، والصحيح أنّه لم ير ربّه في المعراج ، وقد صحّ عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت : ( ومن زعم أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربّه فقد أعظم على الله الفرية) . (1)
هذا في الدنيا ، أمّا في الآخرة فالأمر مختلف ، فإنّ العباد يخلقون خلقاً جديداً ، ألا ترى أنّ الشمس تدنو من رؤوس الناس في يوم القيامة حتى لا يكون بينها وبينهم إلا ميل واحد ، ومع ذلك فلا يذوبون ولا ينصهرون ! ألا ترى أنّ الناس بعد البعث والنشور غير قابلين للموت ! بل يدخل الكفار النّار كلما نضجت جلودهم بدّلهم الله جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ، أمّا الموت فلا .نعم في يوم القيامة يطيق المؤمنون رؤية ربهم ، بل إنّ أعظم نعيم يعطاه العباد في الجنّة هو النظر إلى وجه ربهم العظيم الكريم سبحانه .
هذا النعيم العظيم يحرمه الكفار ( كلاَّ إنَّهم عن رَّبهم يومئذٍ لَّمحجوبون ) [المطففين: 15] أما الذين اصطفاهم الله وحسَّن وجوههم فلا يحجبون ، ( وجوهٌ يومئذٍ ناضرةٌ ) [القيامة : 22] وهؤلاء هم الأبرار ( إنَّ الأبرار لفي نعيمٍ – على الأرائِك ينظرون ) [المطففين : 22-23] ، وهذا النظر إلى وجهه الكريم هو الزيادة التي وُعد بها المؤمنون ( للَّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ ) [ يونس : 26 ] .
وهو المزيد المذكور في هذه الآية : ( لهم مَّا يشاءون فيها ولدينا مزيدٌ ) [ق : 35] .
وقد جاءت الأحاديث المتواترة مصرّحة بذلك غاية التصريح ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه : أنّ ناساً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هل تُضارّونَ في رؤية القمر ليلة البدر ؟ ) قالوا : لا ، يا رسول الله ، قال : ( هل تُضارّونَ في رؤية الشمس ليس دُونها سحابٌ ؟ ) قالوا : لا ، يا رسول الله ، قال : ( فإنّكُم ترونه كذلك ) . (2)
وفي الصحيح عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه ، قال : ( كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر ، فقال : ( إنّكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامّون ، فإنْ استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ، وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا ) . (3)
وفي صحيح مسلم عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دخل أهلُ الجنة ، يقول الله تبارك وتعالى : تريدُون شيئاً أزيدكم ؟ يقولون : ألم تُبيضْ وُجُوهنا ؟ ألم تُدخلنا الجنة وتُنْجِنا مِنَ النّار ؟ ) قال : فيكشفُ الحجاب ، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عزّ وجلّ ، ثمّ تَلا هذه الآية : ( للَّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ ) [ يونس : 26 ] . (4)
وفي الصحيحين عن أبي موسى – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( جنّتان من فضة آنيتُهُما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربّهم إلا رداءُ الكبرياء على وجهه في جنة عدنٍ ) . (5)
-----------------------------
(1) رواه مسلم : 1/159 . ورقمه : 177 .
(2) رواه البخاري : 13/419 . ورقمه : 7437 ، ورواه مسلم : 1/163 . ورقمه : 182 . واللفظ لمسلم .
(3) رواه البخاري : 13/419 . ورقمه : 7434 .
(4) رواه مسلم : 1/163 . ورقمه : 181 .
(5) رواه البخاري : 13/423 . ورقمه : 7444 . ورواه مسلم : 1/163 . ورقمه : 180